تعد الغيرة أمر مستحبا في الحياة الزوجية, من بابها يتعرف كل واحد من الزوجين على مقدار حب الطرف الآخر له ومدى إخلاصه ووفائه, ومع هذا يفترض أن تكون هذه الغيرة في حدود المعقول حتى لا يغرق الطرفان في متاهات ومشاكل نفسية قد تؤدي إلى أبغض الحلال, حيث أن الإسهاب في الغيرة يقود إلى سوء الظن, الذي يدفع بالحياة السعيدة إلى الجحيم.
فرق شاسع
ترى" ابتسام محمد" وهي أم لطفلين بأن ثمة فرق شاسع بين الغيرة وسوء الظن, ومع ذلك فكلاهما يسببان القلق والاضطراب,فتقول" زوجي يغار علي كثيرا, أو هكذا يدعي, وغيرته بطريقة مبالغ فيها, تؤذي المشاعر. ويوميا يتردد علي في المنزل بشكل مفاجئ متذرعا بنسيانه غرضا ما, كما أنه يتصل بي عدة مرات ليتأكد أن الهاتف غير مشغول. وقبيل ذهابه للعمل يطلب مني عدم الخروج وعدم السماح لأحد بدخول المنزل وعدم استخدام الهاتف. وفور عودته يستجوبني بطريقة يشعرني أنني غير مؤتمنة على شرفه وشرفي، لقد استطاع أن يحول حياتي إلى جحيم".
وتضيف ابتسام: والغريب أنه يؤكد لي أن تصرفاته معي نابعة من غيرته علي وحرصه على ألا يمسني أحد بسوء, والحقيقة أنني أعجبت بغيرته في بداية الأمر لأنها كانت تشعرني بمدى حبه, ولكن هذه الغيرة تحولت إلى شك وسوء ظن, ولا أدري ماذا أفعل خاصة بعد أن رزقنا الله بولدين.
الثقة أمر ضروري
وأكدت ابتسام أن الحب يعني الثقة المطلقة بين الزوجين, لكنها استطردت قائلة "أما زوجي فدائما يعتقد أنني أخفي سرا عليه, ولا بد له أن يكتشفه مع أن ذلك غير صحيح, فعدم الثقة بي جعلت حياتنا مضطربة".
ويتفق معها فادي المدرس الذي يعمل فنانا تشكيليا, ويقول: الغيرة مشاعر جميلة يتصف بها الإنسان, وبما أنه عاقل فلابد أن تكون غيرته عقلانية حتى لا تتحول إلى سوء ظن يؤدي بالعلاقات الإنسانية النبيلة إلى الهاوية.
ويضيف: أحيانا تتحول الغيرة إذا لم نحسن توجيهها إلى حقد, وهناك العديد من الأمثلة التي يطول سردها تؤكد أن الغيرة الحمقاء تعمي العيون عن كشف الحقائق بألوانها الطبيعية, بل تجد هذه الحقائق سوداء أو رمادية. وأتمنى من كل إنسان عندما يشعر بالغيرة الزائدة عن الحد أن يحكم عقله وضميره قبل فوات الأوان وقبل ضياع كل شيء من بين يديه.
أمر جميل
وتصف لينا الأحمد, طالبة في السنة الرابعة في قسم الأدب العربي في كلية الآداب, الغيرة بأنها أمر جميل, لكنها اشترطت لتكون الغيرة جميلة أن تكون غايتها العمل والجد والنشاط, وحذرت من أن تتحول الغيرة إلى حقد وضغينة وكره بسبب سوء الظن.
وأضافت: أما سوء الظن والشك من دون سبب فهو مرض نفسي يجب معالجته, حيث أنه مرض خطير ليس على صاحبه فقط بل على الآخرين, فإذا تمكن هذا المرض من الزوج فإن حياته تتحول إلى تعاسة, وقد تنتهي بكارثة, وإذا تمكن الشك من الزوج فإن زوجته ستكرهه وستبتعد عنه إن آجلا أو عاجلا.
للغيرة أنواع
والغيرة من جهة أخرى أنواع, منها المحمود الباعث لتحريك الحياة نحو الأفضل ومنها الخبيث المدمر الذي يحيل الحياة إلى كآبة.
ومن الغيرة المحمودة تلك التي تتصف بها فاديا سراقبي الطالبة في السنة الأولى في قسم الصحافة, حيث تؤكد أنها تغار كثيرا إذا تفوق أحد من زملائها في القسم عليها، وقالت في هذا الصدد: أشعر بشيء في صدري يدفعني للدراسة بشكل أكثر جدية ونشاطا لكي أكون أنا المتفوقة وليس غيري, وأعتقد أن مثل هذه الغيرة مطلوبة. لكنني أشعر بغيرة أخرى وهي أنني أغار كثيرا من صديقاتي عندما أشاهد إحداهن بأثواب أنيقة فأحاول تقليدهن بشتى الوسائل, ولكنني لم أحول غيرتي إلى كراهية, كما أنني لم أحاول مضايقة صديقاتي أو التحدث عنهن بأشياء غير صحيحة.