احتفلت الكثير من وسائل الإعلام الحكومية بمقابلة الرئيس مبارك مساء الثلاثاء الماضي لـ«تشانجيراي» زعيم المعارضة في زيمبابوي في مقر إقامته في العاصمة الجنوب إفريقية «بريتوريا»، بل ذهب الحماس بالبعض للقول بأن «تشانجيراي» استمع وأبدي استجابة أيضا لنصيحة الرئيس مبارك بخصوص الانفتاح علي الرئيس الزيمبابوي «موجابي» من أجل الوصول إلي تسوية سياسية تنهي الأزمة القائمة في البلاد بعد تزوير الانتخابات الرئاسية هناك، بحسب التأكيدات التي خرجت من كل الجهات الدولية المحايدة.
وبغض النظر عن الدوافع التي تجعل الرئيس مبارك يضغط علي زعيم معارضة من أجل التصالح مع رئيس دولة حصل علي منصبه بالتزوير المبين، وبغض النظر عن اهتمام الرئيس مبارك بـ«موجابي» للدرجة التي دفعته للتدخل من أجل إقناع زعيم المعارضة بتهدئة الأمور، وبغض النظر عن أن البعض يعتبر أي حديث قادم من الخارج يدعو إلي تفعيل الديمقراطية في مصر أو التعامل مع المعارضة بشكل أقل عنفًا واستبدادًا، تدخلاً مرفوضًا في الشئون المصرية، فيما لا يتم النظر بنفس الطريقة إلي تدخل الرئيس مبارك في الشئون الداخلية الزيمبابوية، يبقي السؤال الأهم وهو: لماذا لا يوجه الرئيس مبارك مثل هذه النصائح لنفسه؟
بمعني لماذا لم ينصح الرئيس مبارك نفسه بضرورة الانفتاح علي المعارضة المصرية وليست الزيمبابوية وتقريب وجهات النظر بينه وبينهم ؟ ولماذا لم نره يومًا ما يدعو إلي حوار مفتوح مع أقطاب المعارضة بما فيها الإخوان المسلمين، حتي تنفك الأزمة التي تعيشها مصر ممثلة في حالة الاستقطاب الشديدة بين النظام والمعارضة الحقيقية التي ليس فيها رفعت السعيد أو محمود أباظة بكل تأكيد؟ هل لأنه لم يحدث إلي الآن- حمدا لله- أي اشتباكات عنيفة بين المعارضة والنظام مثلما حدث في زيمبابوي؟ وهل معني هذا أنه لا إمكانية مطلقًا لعقد حوارًا حقيقيًا وعلي مستوي رئاسي بين النظام والمعارضة إلا إذا وصلت الأمور إلي ذروتها، مثلما حدث في زيمبابوي ووقعت اشتباكات دموية بين أنصار موجابي وأنصار المعارضة؟
علي امتداد السبعة والعشرين عامًا التي قضاها الرئيس مبارك في الحكم لم يحدث قط أن اجتمع في لقاء جماعي مع قيادات المعارضة في مصر، ولا أحد يتذكر له لقاء مشابه باستثناء تلك المرة التي التقي فيها قيادات المعارضة والإعلام الذين تحفظ عليهم الرئيس السادات في سبتمبر 1981، عندما أفرج عنهم الرئيس مبارك في لافتة نادرة لم تتكرر حتي الآن، لتعود الأسئلة تطرح نفسها من جديد.. هل يقبل الرئيس مبارك النصيحة من أي رئيس أجنبي يدعوه للجلوس - مثلا- مع أيمن نور زعيم حزب الغد من أجل تقريب وجهات النظر؟ هل يمكن أن يدعو الرئيس مبارك مرشد الإخوان «محمد مهدي عاكف» للقاء في القصر الجمهوري من أجل تهدئة الأمور بين النظام والجماعة، بحيث حتي لو بقي الخلاف قائما خلا من العنف اللفظي والجسدي والاعتقالات التي تتم بالجملة؟ أم أن حدوث ذلك أمر شبه مستحيل ولا يمكن أن نراه مطلقًا في مصر.. لكن فقط يتدخل الرئيس من أجله في.. زيمبابوي؟!