لقد كان من أثر انتشار المذاهب المادية في عصرنا الحاضر أن تغيرت القيم الخلقية تغيراً كبيراً وأصبحت الفضائل النفسية عند كثير من الناس عبثاً لا ضرورة له,بل عبئاً ينبغي الخلاص منه,وترك النفوس تسترسل مع هواها دون معاناة لكبته..
واستصعب الشباب ارتقاء المعالي ونشدان الكمال وليتهم لما أخلدت بهم أهواؤهم إلى الأرض اعترفوا بالقصور وتواروا بخزيهم..
لا,إنهم شرعوا يهونون من شأن الخلال الكريمة التي عجزوا عن تحصيلها وراحوا يصفونها بأنها قيود على الطبيعة البشرية تورث الضر والاكتئاب!!
ومن هنا كانت السمة البارزة في عصرنا المسارعة في إشباع الهوى واسترضاء غرائز الدنيا حتى تروى!!
وريّ هذه الغرائز عن طريق الحرام لا يزيدها إلا ضراوة,فهي تطلب المزيد دون أن تدرك الشبع.
والمجتمع البشري الذي تدور حركاته على هذا المحور مجتمع طافح الإثم سيء العقبى تطيش به نوازع الشره والأثرة وتتولد فيه مشاعر الحد والبغضاء وقلما ينجو من إثارة الفساد وسفك الدماء.
وتلك آفة الحضارة بعد أن زهدت في الدين وتبرمت بتعاليمه ,فاتباع الهوى إن كان يطمس على حواس الأفراد فهو على المجتمعات الضالة يضرب ليلاً طويلاً من الظلام بارد الأنفاس بعيد الفجر..
ونريد أن نسارع إلى نفي شبهة تروج عند الجاهلين بالإسلام وهي أنه يحرم الكثير من الأمور التي ما تطيب الحياة إلا بها ويعترض رغبات شتى ما يستريح الخلق إلا بإشباعها..
وهذا خطأ فادح,فالإسلام ما حرّم طيباً ولا حظر خيراً بل أباح كل ما تعتدل به الطبيعة البشرية ويستقيم به حالها.
الله تعالى ما حرم على الناس إلا ما علم أنه يزيغ بهم عن الصراط ويتسارع بهم إلى الشر,والإسلام لم ينكر قط الطبيعة المادية للإنسان ولا حقوق الفترة التي يقضيها على ظهر الأرض,بل غاية ما صنع أنه ذكّر الإنسان بأنه مادة وروح وصلته بالسماء أعرق من صلته بالأرض ولذا ينبغي عليه رعايتها والالتزام بمطالبها..!!
وفي أثناء وفائه بحقوق هذه الصلة العليا سوف تنازعه نفسه أن يتنكر لها ويتمرد عليها وهنا يجب كبح جماح النفس وإكراهها على قبول ما يضايقها
ومجاهدة النفس في هذا المضمار خلق لا ينفك عن مؤمن ولا مسوغ لاستثقاله أو الترخص فيه وإنما ترتفع منازل المؤمنين ويتألق جبين أهل التقوى بمقدار انتصارهم على شهواتهم وامتلاكهم لزمام رغباتهم.
إن العراك الباطني لا ضجيج له ولا سلاح فيه ولكنه أخطر في نتائجه من المعارك التي تبذل فيها الدماء,ذلك لأن جهاد النفس هو الطريق الحقيقي لبلوغ القمم التي تجعل الإنسان يحتضن الثل العليا ويبذل دونها الغالي والنفيس.
المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما من صلة إليك هيهات هيهات فقد حيل بيني وبينك
ويفرط منه الشيء فيرجع لنفسه قائلاً ما أردت هذا ووالله لا أعود إليه أبداً إن شاء الله..
إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلاكهم,فالواحد منهم أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته ولا يأمن شيئاً حتى يلقى الله عز وجل ,ويعلم أنه محاسب ومراقب في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه.
إن النفس إذا أطمعت طمعت وإذا فوض الأمر إليها أساءت ولن يكون صلاحها إلا بحملها على أوامر الله
احذر نفسك واتهمها على دينك وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها لكنه بنفس الوقت لا بد له منها
فالحكيم يذل نفسه بالمكاره حتى تدين بالحق أما الأحمق فيخيرها في الأخلاق فما أحبت منها أحب وما تركت ترك وهذا عين الضلال واتباع الهوى
يقول أحد التابعين/
احذروا أنفسكم وحاسبوها فإنما هي ليال تعد وإنما أنتم ركبٌ وقوف يوشك أن يُدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت فأكثروا من التزود بالصالحات
إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم وإنما صبر عليه من عرف فضله ورجا عاقبته..