نعم...هي تلك الرائحة التي تنبعث من مطبخكم عندما تقف والدتك لتحمرها في نهار حار...والعرق يتساقط من جبينها وقد أوشكت أن تنهي إعداد وليمة لتضمكم جميعا وأنت تتسلل من آن لآخر لتخطف إصبعا حارا من البطاطس وتقرمشه ثم تعود ...وتعود...وخلفك إخوتك...حتى تنهوا ما أخرجته من(الطاسه))فتقشر المزيد...وتعيد الكرة...وربما لا تنهي التحمير بسبب((طفاستكم ))وعدم صبركم عليها ...لكنها كانت سعيده
هل نسيت جلستها على الأرض وقد حملت (المراتب)على كتفها وظهرها لتخرج ملابس الصيف بعد أن انتهى الشتاء وأمامها أكوام الملابس الصوفية التي أنهت غسلها وتنشيرها وكيها...والآن تفتح الحقائب والكراتين لتخرج ما وضعته في بداية الشتاء نظيفا لتضع هذا مكانه...وأنت تقفزين حبيبتي في الله حولها وتمسكين بهذا الفستان وتضعينه على صدرك وتقولين...(فستاني..كم اشتقت إليه..أريد أن أرتديه غدا)...وهي سعيدة وهي تراقبكم
أم نسيت كوب الشاي الذي أحضرته وقد ابتلت ملابسها من غسل الأطباق برمضان الماضي أو الذي قبله أو ربما منذ سنوات طوال...وأنت جالس لتبدأ بعد أن أنهيت قطهة (الكنافة)الرائعة التي أعدتها لأنك تحبها...فأستلمت منها الكوب دون أن تنظر إلى وجهها...وبدأت تذاكر
أم نسيت كيف كنت تتسلل إلى فراشها وأنت خائف من الحلم الذي أفزعك...وبمجرد وصولك إلى حضنها...تنام بأمان...سبحان الله
وربما لم تعلم أنها كانت تتقلب في فراشها قلقا عليك بين أفكار سوداء وأخرى أكثر اسودادا لأنك تأخرت ولم تخبرها أصلا أين أنت...وربما كنت تضحك وتكركر مع أقرانك السهارين معك في تلك الليلة...ولم تفكر حتى أن تخبرها أنك بخير...وأنك ستتأخر
أو هل تتآكل وأنت في الغربة...لأنك لم تهاتفها هذا الأسبوع
وأنت يا إبنتي ربما أثقلت عليها عندما تشاكلت معك على أمر بسيط يخص خطيبك أو زوجك ولم تقدري أنها أصلا كانت غاضبة لأجلك...حتى لو بخطأ منها وسوء تقدير...لكنها في النهاية((أم))...وستعرفين عندما تنالين اللقب...وتصبحين أما..أتذكرين كيف نست سريعا...وكيف دعت لكما...أسرعي وأعيدي ترضيتها دون تذكيرها بالأمر...فما أجمل تلك الروح التوددية بين الأم وإبنتها عندما تتفاهمان لمصلحة واحدة...هي مصلحتك
وأنت يا أخي...أتذكر تلك النظرة الفرحة التي كادت أن تقفز من عينيها لتحتضنك لأنك كرمتها أمام زوجتك الطيبه...حيث قبلت رأسها ويدها وأشعرتها أنها فوق الجميع حتى زوجتك..(وأعانتك زوجتك الصالحة))...هنيئا لك...فلا تحرمها منها مرة أخرى...وهنيئا لزوجتك
وأنت يا أختي
أنسيت كيف كانت وكيف تعبت وهي ترتب لك بيتك الذي تقضين فيه الآن كل عمرك بعيدا عنها...وربما تتأخرين عليها ولا تزورينها إلا قليلا..
أنسيت كيف بكت من فرحتها وهي تتأملك بفستانك الأبيض وكيف سهرت لتطرزه لك...وكيف انحنت تنظف البيت قبل زيارة زوجك وأسرته ليخطبوك وأنت المدللة...تأمرين وتنهين وهي تنفذ لمجرد إسعادك
ربما هي جالسة الآن أمامكم
فأسرعوا وقبلوا رأسها وأطلبوا رضاها...وأجعلها تدعو لك
وربما أنت في غربة
فلا تبخل...وأسرع إلى هاتفك وأسمع صوتها قبل....قبل أن تحرم منه رغم أنفك
نعم
الآن...رجاء...وأطلب منها أن تدعو لك
أو ربما هي في غرفة أخرى...فلا تغلقوا الباب وتتركوها وحدها...فنحن بالمنتدى لسنا أفضل ولا أكرم منها..ودعوة منها خير من ألف لحظة تقضيها هنا...فلا تجعلنا سدا بينك وبين دعوة منها
إخوتي...وأخواتي
الكلام عن الأم لا يوصف...ومكانتها لا أستطيع التعبير عنها في سطور...لكنني أعرفها لأنني فقدت أمي...
((ماما))كلمة حانية غالية نخرجها من قلبنا قبل أن تنضم شفتنا لتهمس بها أو ربما تصرخ عندما نستنجد بها ونقفز بين أحضانها التي كانت وستظل الحضن الوحيد (الغير أناني) الذي يضمنا...ونهرب إليه أول ليلة في إمتحانات الثانوية العامة ونستعذب كفها الحاني وهو يمر على رأسنا...وأيضا كان دائما في ليالي الشتاء ونحن نتقوقع فيه ونشد أقدامنا عندما كنا صغارا لتحتوينا
فأسرعوا إليها...قبل أن تفقدوها...مثلي
اللهم أرحم أمي وأرزقها صحبة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأسكنها جنتك
وأرزق كل من يقرأ الآن رضا أمه وبره بها ورضيها عنه وأجعله يسرع إليها الآن ويقبل رأسها وكفها وأجعلها تدعو له وتقبل دعاءها...